23 سبتمبر 2025
يشهد العالم اليوم مرحلة دقيقة ترتبط بشكل وثيق بقدرة الدول والمجتمعات على مواجهة التحديات المناخية والاقتصادية المتسارعة. ومع ارتفاع درجات الحرارة وزيادة التحديات البيئية، بات التحول نحو الاقتصاد الأخضر ضرورة استراتيجية تفرضها مسؤولية جماعية لضمان مستقبل آمن ومستدام للأجيال القادمة. وفي هذا الإطار، تبرز القمة العالمية للاقتصاد الأخضر، التي تنظم تحت رعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، كإحدى أهم المنصات العالمية التي تجمع صناع القرار وقادة الفكر ورواد التكنولوجيا لتسريع وتيرة العمل المناخي وتحويل الطموحات العالمية إلى برامج عملية ذات أثر ملموس. وبفضل مكانة دبي كمركز عالمي للابتكار والاستدامة، أصبحت القمة واحدة من أبرز الفعاليات المتخصصة في الاقتصاد الأخضر على الأجندة الدولية، وأداة مهمة لتعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص وتوجيه الاستثمارات نحو الحلول الخضراء التي تدعم النمو الاقتصادي وتحقق التنمية المستدامة.
وقال معالي سعيد محمد الطاير، نائب رئيس المجلس الأعلى للطاقة في دبي، العضو المنتدب الرئيس التنفيذي لهيئة كهرباء ومياه دبي، رئيس المنظمة العالمية للاقتصاد الأخضر: "في ظل رؤية وتوجيهات القيادة الرشيدة، تواصل دبي رسالتها في بناء مستقبل أكثر استدامة من خلال القمة العالمية للاقتصاد الأخضر التي أصبحت منصة دولية مرموقة تجمع صناع القرار والخبراء والمبتكرين من مختلف أنحاء العالم لتبادل الرؤى وإطلاق المبادرات والشراكات الرائدة. وقد أسهمت القمة منذ انطلاقتها في بلورة حلول عملية دعمت مسيرة التحول الأخضر إقليمياً وعالمياً، ورسخت مكانة دولة الإمارات كمنارة للاستدامة ومركز للحوار البنّاء والعمل المشترك. وتتناول محاور القمة في دورتها الحادية عشرة جوانب متكاملة تعكس شمولية الاقتصاد الأخضر وتعزز مكانة دبي كجسر عالمي يربط بين الطموحات المناخية والفرص الاقتصادية، وكنموذج يحتذى في تحويل التحديات إلى فرص للنمو والازدهار."
تُعقد الدورة الحادية عشرة من القمة العالمية للاقتصاد الأخضر يومي 1 و2 أكتوبر 2025 في مركز دبي التجاري العالمي تحت شعار "الابتكار المؤثر: تسريع مستقبل الاقتصاد الأخضر". وتعكس القمة، التي ينظمها كلٌ من المجلس الأعلى للطاقة في دبي، وهيئة كهرباء ومياه دبي، والمنظمة العالمية للاقتصاد الأخضر، مكانة دبي كمنصة عالمية رائدة في استضافة الفعاليات الدولية الكبرى التي تعنى بالاستدامة والعمل المناخي. ويجسّد شعار هذا العام الحاجة الملحّة إلى حلول عملية ومبتكرة قادرة على إحداث فارق ملموس في تسريع التحول نحو اقتصاد منخفض الكربون.
يغطي برنامج القمة سبعة محاور مترابطة تمثل الركائز الأساسية لبناء مستقبل أخضر وأكثر مرونة. ومن خلال هذه المحاور، تواصل القمة دورها كمنصة شاملة تربط بين المعرفة العلمية والتجارب العملية، وتجمع بين الرؤية الاستراتيجية العالمية والالتزامات الوطنية.
المحور الأول – التكنولوجيا والابتكار
يُعد الابتكار محركاً رئيسياً لدفع عجلة الاقتصاد الأخضر، وهو ما يضعه هذا المحور في صدارة النقاشات، إذ يستعرض دور الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والحلول الرقمية المتقدمة في تعزيز الاستدامة والمرونة المناخية. وتتناول الجلسات كيفية استخدام هذه التقنيات لتحسين كفاءة شبكات الطاقة والمياه، وتعزيز تكامل الطاقة المتجددة، وتطوير التحليلات التنبؤية للحد من المخاطر البيئية ورصد الانبعاثات الكربونية بدقة أعلى. كما يسلط المحور الضوء على ابتكارات تخزين الطاقة والتعاون بين القطاعين العام والخاص في تسريع تطوير تقنيات خضراء جديدة. ومن خلال استعراض تجارب ناجحة ومشاريع قائمة على الذكاء الاصطناعي، يوضح هذا المحور كيف يمكن للتكنولوجيا أن تتحول من أداة داعمة إلى رافعة أساسية في تحقيق الاستدامة طويلة الأجل.
المحور الثاني – مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة
يستعرض هذا المحور الحلول المبتكرة لضمان تلبية هذا الطلب المتنامي بطريقة مستدامة، مع التركيز على دور الطاقة المتجددة في توفير إمدادات موثوقة على مدار الساعة، وجدوى تسريع بناء اقتصاد قائم على الهيدروجين الأخضر كوقود مستقبلي نظيف. كما يناقش المحور أهمية تأمين المعادن الأساسية اللازمة لإنتاج الطاقة المتجددة من مصادر مستدامة، وتطوير تقنيات متقدمة لتخزين الطاقة تضمن مرونة الشبكات واستقرارها. ومن خلال هذه الرؤى، يقدم المحور تصوراً متكاملاً لكيفية بناء منظومة طاقة قادرة على تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي وخفض الانبعاثات الكربونية، بما يواكب التوجهات العالمية نحو الحياد المناخي.
المحور الثالث – السياسات والتشريعات
لا يكتمل التحول نحو الاقتصاد الأخضر من دون إطار تشريعي مرن وقادر على مواكبة المتغيرات العالمية. ويركّز هذا المحور على التحولات الديناميكية في السياسات المناخية وأثرها على الاقتصاديات الوطنية والإقليمية، لاسيما في ظل التوازنات المعقدة بين أولويات مثل أمن الطاقة، والسياسة الصناعية، والتنافسية العالمية. وتتناول الجلسات كيفية مواءمة هذه السياسات لضمان استدامة الاستثمارات في الطاقة المتجددة، حتى في غياب أطر تنظيمية واضحة، مع مناقشة التوسع في أسواق الكربون العالمية وما تتيحه من فرص للتجارة والصناعة. كما يبرز المحور الدور المحوري لمؤتمرات الأطراف (COP) في دفع عجلة الاتفاقيات الدولية للمناخ، وضرورة مشاركة القطاع الخاص في صياغة الأطر التنظيمية الجديدة. ومن خلال هذه المناقشات، يوفّر المحور أرضية متينة لتقييم مستقبل سياسات المناخ كقوة دافعة للنمو الاقتصادي الأخضر وتحقيق التوازن بين المصالح البيئية والاقتصادية.
المحور الرابع – التمويل
يسلط هذا المحور الضوء على التحديات التي تواجه توسيع نطاق استخدام الطاقة المتجددة، وعلى الحلول المالية التي تضمن استمرارية النمو الأخضر، مثل أدوات التمويل المستدام وأسواق الكربون الطوعية. كما تستعرض الجلسات استراتيجيات جديدة لحشد استثمارات القطاع الخاص ومواءمتها مع الالتزامات الدولية المتعلقة بالمناخ، إلى جانب دور المؤسسات المالية العالمية وصناديق التنمية في سد الفجوات الاستثمارية. ويقدّم المحور أيضاً دراسات حالة وتجارب ناجحة حول كيفية التغلب على العوائق التمويلية وتحويلها إلى فرص حقيقية. ومن خلال هذه الرؤى، يضع التمويل في موقعه الطبيعي كعامل تمكين رئيسي يسرّع الانتقال إلى اقتصاد عالمي أكثر مرونة وكفاءة، ويعزز قدرة الدول على تحقيق الحياد الكربوني في المدى الطويل.
المحور الخامس – العدالة المناخية
يمثل مفهوم العدالة المناخية بعداً إنسانياً أساسياً في مسيرة الاقتصاد الأخضر، إذ لا يمكن فصل الاستدامة عن مسؤولية ضمان حصول جميع المجتمعات على الموارد والفرص بشكل عادل. ويتناول هذا المحور التأثيرات غير المتكافئة لتغير المناخ، حيث تتحمل الدول والمجتمعات الأكثر ضعفاً العبء الأكبر من الأزمات البيئية مثل الجفاف والفيضانات وندرة المياه وتدهور الأمن الغذائي. وتتناول النقاشات الحلول المبتكرة التي تراعي هذا البعد، مثل الزراعة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، وتوسيع استخدام الطاقة الشمسية الكهروضوئية في القطاعات الزراعية، إضافة إلى تقنيات إدارة المياه المتقدمة التي تدعم المجتمعات في أكثر المناطق عرضة للمخاطر. كما يبرز المحور أهمية التعاون الدولي والتضامن بين الدول المتقدمة والنامية لضمان تحقيق انتقال عادل ومنصف للطاقة. ومن خلال هذا المنظور، تؤكد القمة أن معالجة التغير المناخي لا تتعلق فقط بالحلول التقنية، بل تشمل أيضاً ترسيخ قيم العدالة والمساواة بما يحمي حقوق الأجيال الحالية والقادمة.
المحور السادس – التكيف والمرونة المناخية
يبحث هذا المحور في استراتيجيات عملية للتعامل مع الخسائر والأضرار الناجمة عن الظواهر المناخية المتطرفة، وعلى تطوير حلول قائمة على الطبيعة مثل استعادة النظم البيئية، وزيادة المساحات الخضراء، وحماية السواحل. كما يستعرض أهمية أنظمة الإنذار المبكر في الحد من المخاطر، ودور الابتكارات العلمية في بناء مجتمعات قادرة على الصمود أمام الأزمات. ويولي المحور اهتماماً خاصاً بضمان عدالة هذا التكيف، من خلال توفير الطاقة بتكلفة معقولة وحماية الفئات الأكثر عرضة للتأثر، بما يوازن بين متطلبات التنمية الاقتصادية وضرورات حماية البيئة. ومن خلال هذا البعد، تُبرز القمة كيف يمكن للتعاون الدولي وتبادل الخبرات أن يسهم في تعزيز القدرة العالمية على مواجهة التغير المناخي وبناء مستقبل أكثر مرونة واستقراراً.
المحور السابع - الشباب والعمل المناخي
يشكّل الشباب اليوم القوة الدافعة وراء التحولات الكبرى في مجال الاستدامة والعمل المناخي، وهو ما يضعه هذا المحور في صميم أجندة القمة. وتستعرض الجلسات الدور المتنامي للأجيال الشابة في قيادة الحلول المبتكرة عبر التكنولوجيا وريادة الأعمال والمبادرات البيئية التطوعية، مع تسليط الضوء على قدرتهم في تحويل الأفكار إلى مشروعات مؤثرة تعزز الانتقال إلى اقتصاد أخضر. كما يناقش المحور الطلب المتزايد على الاستثمارات الواعية والمستدامة التي يقودها الشباب، وأهمية تزويدهم بالمهارات والمعارف التي تمكنهم من المشاركة الفعالة في صياغة السياسات المناخية. ويعكس هذا المحور التزام القمة بتمكين الشباب باعتبارهم شركاء رئيسيين في بناء مستقبل مستدام، وليكونوا الجسر الذي يربط بين الحاضر والتطلعات المستقبلية للاقتصاد الأخضر على المستويين الوطني والعالمي.